المختصر/ مجزرة ثقافية من نوع جديد, ووفقا لمواصفات دولة الولي الفقيه الإيرانية تجري فصولها اليوم بكل دقة وهدوء واسترخاء في العراق, وعلى يد حكومة يقودها حزب طائفي عريق في عمالته لإيران منذ تأسيسه على يد المخابرات البريطانية عام 1956, وهو حزب »الدعوة« العميل الذي تمكنت الرياح الانقلابية الدولية, وعبث نظام البعث البائد من إيصاله الى السلطة في واحد من أعرق وأهم المواقع ستراتيجية في الشرق القديم, وهو العراق المبتلى بألف احتلال, واحتلال, والواقع تحت براثن التخلف المقيت في عصر الانفتاح والمعلوماتية والذي يعيش اليوم ازهى عصور التراجع الحضاري والفكري في ظل عملية سياسية مشوهة, وعقور, وفاقدة لمصداقيتها ومعناها, فبعد عقود من ثقافة البعث التافهة التي دمرت البلد وسلمته لقوى التخلف والتبعية والطائفية والأصولية المتوحشة, جاءت الأحزاب الطائفية ذات الولاءات الفارسية لتضفي على البلد المهشم أصلا والمعبأ بكل عقد التاريخ ومتحجراته الفكرية مشاهد من نوع جديد أبرزها سيادة التخلف, وتكليف الأمور بمن هو دون المستوى عبر السيطرة على عقل الأمة والشعب من خلال التعليم الذي هو أخطر نقطة أمن ستراتيجية ومفصلية في نشوء الشعوب, وتطورها وارتقائها, فإذا كان القضاء هو المعبر عن المستوى الحضاري لأي دولة, فإن التعليم هو روح تلك الدولة وقلبها النابض, وحينما تناط أمور التعليم في العراق بالجماعات الإيرانية بأفكارها الخرافية والعدمية وبأحقادها التاريخية فاقرأوا على الدنيا السلام, فحكومة الرفيق نوري المالكي, الذي هو الزعيم الافتراضي لحزب »الدعوة« منذ عام 2006 , كانت قد أناطت مسؤولية وحقيبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأحد قادة حزب »الدعوة/ الفرع الطهراني« المدعو علي الأديب, وهو قيادي »دعوي« يحمل الجنسية الإيرانية, وغير كفء لمنصبه لكون شهاداته العلمية لا علاقة لها بالجامعات الدولية, ولا يحمل دكتوراه, بل إنه كما يقول عن نفسه أستاذ في الفلسفة ربما من معهد إيراني (طايح حظه) وطبعا لا يعرف اللغات الأجنبية الحية سوى »زبان فارس« أو اللغة الفارسية, ومع ذلك فقد أنيطت به مسؤولية أخطر وزارة عراقية, وهي وزارة التعليم العالي, وإدارة الجامعات العراقية العريقة التي كانت ذات يوم مصنعا لإنتاج خيرة العلماء والكوادر, والأساتذة في مختلف التخصصات! فإذا بها اليوم تتحول مستعمرة إيرانية ومستنقعا طائفيا آسنا, بعد أن عمد الأديب لاتباع سياسة »مكارثية« كارثية لاستئصال 700 استاذ جامعي من الجامعات العراقية بذريعة أنهم كانوا ذات يوم بعثيين! وهي تهمة عقيمة لأن عدد البعثيين في العراق كان يبلغ وقتذاك 7 ملايين بعثي, لكون النظام السابق كان يجبر الشعب على الانتماء بقوة للحزب, ومن لم يفعل يعاقب ويطارد في رزقه! وجميعنا يعلم أن »جيش المهدي الطائفي« بما فيه زعيمهم المفدى مقتدى أفندي كانوا جميعا من البعثيين! وإن رئيس جمهورية كردستان (مسعود بارزاني) وحتى أيام النظام الأخيرة كان يشكر البعثيين وصنيعهم في إعادة مدينة أربيل لسيادته, بعد أن انتزعها الحرس الجمهوري من أيادي غريمه جلال طالباني في 31 أغسطس 1996! ثم أن نائب رئيس الوزراء صالح المطلك كان بعثيا, ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي كان بعثيا! وظافر العاني كان بعثيا, والنجيفي كان بعثيا! فالبعثيون كانوا هم العملة السائدة ولا يوجد غيرها بعد أن تحولت الدولة العراقية بأسرها تنظيما بعثيا مغلقا كان سيستمر لأبد الآبدين لولا التدخل الأميركي واحتلال العراق وتغيير قواعد اللعبة والسلطة في الشرق القديم, لذلك فإن الحديث عن الماضي البعثي للأساتذة هو حديث خرافة ولا يستقيم أبدا مع روح المصالحة الوطنية المزعومة, والتي بها يتبجحون.
لقد تم الانتقال إلى الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بمعالجات وطنية صرفة ومن دون اللجوء الى السياسة المجازر وقطع الأرزاق والتضحة بالكفاءات. لقد كانت تلك المجتمعات شيوعية ثم تحولت بإرادتها وخياراتها لديمقراطية من دون دماء ولا مصائب, بل كان التحول سلميا لم يمس كيان الدولة ولا ثقافة الشعب وتراثه, أما في العراق فإن سياسة الانتقام الطائفي والعشائري وشعارات »يالثارات قريش« هي السائدة للأسف, وفي ظل هجمة صفوية سوداء يقودها غلمان الولي الصفوي الفقيه الهادفون الى تخريب الثقافة العربية والعراقية وتطفيش الكفاءات الوطنية وإحلال ثقافة اللطم والندب والتخلف والخرافة لتكون هي المعادل الموضوعي للثقافة العراقية الأصيلة العربية المعروفة عبر التاريخ.
إجراءات وزير التعليم العراقي الإيراني ليست سوى وصفة مشبوهة ضمن خطة محبوكة تمارسها الأحزاب الإيرانية في العراق تحت مسميات وعناوين تدليسية تهدف الى تخريب العقل العراقي, وتدمير البنية الثقافية وتحويل العراق العربي العريق قاعدة استيطان فكري فارسية عقور لسلب هوية الأمة وتزوير إرادتها بذريعة الخوف من ميت, وهو حزب البعث الذي انتهى ودخل عالم المتحجرات, خصوصا مع النصر الوشيك للشعب العربي السوري في استئصال الفرع الآخر من البعث الفاشي.
لن ينجح غلمان الولي الفقيه في مساعيهم الخبيثة لتسميم عقل الأمة وسلبها لهويتها, وسيندحرون يجرجرون خيباتهم الثقيلة شأنهم شأن اللصوص الذين تسيدوا الموقف في لحظات من الغفلة التاريخية, سيسترد الشعب العربي في العراق زمام المبادرة. ألا ساء ما كانوا يفعلون ويخططون.
السبت يوليو 11, 2015 12:34 am
